«ظلم سيلا 2».. قصة قصيرة للكاتبة مونيا بنيو منيرة | الجزائر

صورة أريشفية
صورة أريشفية

 

كان هيجان ليثا غريبا جدا في تلك الليلة وصراخه يشبه زئير الأسد في قفص مغلق تملكه طوفان وغليان.

وفي تلك اللحظات توغل في أدغال الغابة التي تضج بأصوات مختلفة  كان الظلام  دامس يشتت خطواته ليسقط ويتعثر كلما توغل أكثر، وبعد تعب وانهيار أصبح يمشي بصعوبة في أغوار الغابة الكثيفة الأشجار يتحسس الطريق بنور ساعة يده ..

وبوجود الأصوات المخيفة والظلام وخطورة المكان، لم يرفع إصبعه عن الزناد وكأنه مستعد لقتل  كل حيوانات الغابة وكل ما  يتحرك أمامه..

 

سار ليث وتوغل أكثر في عمق  التلال العاتمة وكأنه يقول لكل حيوانات الغابة هيا اخرجي لتلتهميني أيتها الوحوش هيا فإما أقتلكم وإما تقتلُوني..

 

وفي قلب الغابة المرعبة ينبعث نور خافت من إحدى الزوايا  كأنه كوخ، وقف ليث يمسح عينيه من غرابة ما وجد في عمق هذه الأحراش المذهلة والتي تضج بكل الأصوات المرعبة وقف مطولا وكأن كل الحيوانات تقترب منه، لم يردعه صوت أو يخيفه تقدم.

 

زاد فضوله  ليتقدم أكثر إلى أن وقف مستغرباً من هول الحيوانات المجتمعة على مد البصر وكل منها يعوي وكأن به مرضاً عضال، ازداد الموقف ذهولا ورعبا وتساؤلا إلى أن تقدم أكثر لم يحاول أي حيوان مهما كانت قوته وشراسته من الهجوم عليه أو الحركة إلى أن وصل إلى نافذة  ذلك الكوخ المهترىء ولاحظ جثة مطروحة في فراشها وبقربها بعض الحيوانات تحاول تحريكها.

تقدم ليث أكثر يحاول بضوء ساعته يده أن يبرز بعض ملامح الجثة إنها الشابة سيلا، لقد فهم من عيون الحيوانات استجداء نجدته في أن يجد لها حلا وتستفيق فكلما تقدم منها أكثر أطلق الجميع عواء وبكاء لينبعث إلى أقصى الجبال فنزع معطفه الجلدي وأمسك بندقيته وتحسس نبضها الذي كان بطيئاً جدا فركض خارجاً ليبحث عن الماء وهو يتمتم قائلاً  كيف لهذه الإنسانة أن تعيش هنا وما حكايتها؟

كانت الحيوانات تتبع حركاته ولاحظت خروجه وعودته، فبعد أن نثر قطرات من الماء على وجهها وشفتيها بدأت تحرك أصابعها، خرج ليث راكضاً إلى الجبال حيث الأشجار باحثا عن شيء يؤكل، بينما كان يتوغل أكثر في الغابة وجد أشياء عديدة مطبخا حجريا، وأغراضا متنوعة راح يبحث عن أي طعام إلى أن صادف أمامه أشجاراً من أنواع الفاكهة، فقطف القليل منها وأسرع إلى سيلا  وجلس يعصر بعض قطرات الفاكهة في فمها ويترقبها بقلق وحزن..

خاصة وأنها شبه ميتة.

وصل اليأس بليث إلى أن حملها على كتفيه وسار بها مسافات طويلة وكل الحيوانات على مد البصر تسير وراءه، وهو يقترب من القرية  إلى أن وصل وسارع بها إلى بيته وحاول إسعافها ببعض الإبر المنشطة والأمصال ليساعدها في الاستيقاظ من غيبوبتها، ويتمكّن من إنقاذها دون أن يؤذيها، لكنه استغرب كثيرا من رتل الحيوانات الذي كان يحوم حول بيته فأخرج بندقيته ورشق بعض الرصاصات ليرعب الحيوانات وقد كاد يصيب بعضها، ثم نادى علي سيلا بأسماء مختلفة مقترباً منها بخطوات حذرة وقال : من تكوني وما حكايتك أيتها الشابة؟

 

لم  يجد في القرية كلها من  يجيب على تساؤلاته

لم تستفق بعد..

استغرب لغيبوبتها وتساءل: إلى متى ستستمرين على هذا الحال؟

اقترب منها أصبح  يحدثها: في هروبك من الواقع ألف سؤال وفي استيقاظك ألف سؤال آخر..؟

 

اقتربت منها وإذ بدمعها ينحدر فوق خديها فأجابته وكأنها تحدث والدها وتقول: أبي أنا هنا يا أبي، لماذا لحقت بي يا أبي ألم أخبرك للمرة الألف بأني أصبحت تلك القوية فدعني وشأني..

 

أمسك ليث بذراعها قائلاً: ما بك ؟!؟ هل أنت بخير أنا معك افتحي عينيك.

أما سيلا فقد كانت تهلوس وتتحدث كأنها تحدث والدها كطفلةٍ تائهة وهي تقول يشهد الله أنني أحبك يا أبي كما أحبني كل حيوانات الغابة..

كلمها كثيرا سألها أسئلة عديدة لكنها ظلت نائمة ترفض الحراك أو الاستيقاظ، الأمر الذي جعله يقرر أن يصطحبها إلى إحدى المشافي، وبعد وصوله المشفى، وإدخالها إحدى غرف العناية وقف ليث بجوار النافذة وقد لاحظ حراك بين الأشجار المحيط بالمشفى كانت مجموعة  الذئاب والضباع.

فتناول بندقيته قائلاً في نفسه: هناك سر غريب يربط هذه الفتاة بتلك الوحوش المغيرة  ..